الأحد، 15 يونيو 2025

رسالة إليك من القلب

 




رسالة من  قلب 


إليكِ


عدتُ إلى ذلك المكان.

لكنني لم أكن أنا.


شيءٌ في داخلي انكسر منذ افترقنا،

كأنني خرجتُ من جسدي ، وصرتُ أعيش بنسخة لا تشبهني.


لم يكن ما عشناه نهاية السيناريو، بل بدايتها… بداية لقصّة لم تُكتب حتى نهايتها .


كل شيء ينهار أمامي،

حتى ذاكرتي لم تعد مرتبة،

 وجهكِ يختزل كل الوجوه…

وتفاصيلكِ تسكن كل الزوايا،

كأنكِ كنتِ الذاكرة ذاتها، لا جزءًا منها.


أتصدقين؟


حتى في زحام الأيام،

صورتكِ تقترب مني،

تهمس لي:

“أنا هنا، لا تخف… أنا قريبة.

كنتِ دائمًا الأمان حين يضطرب العالم.


كنتِ النداء الذي يوقظني للحياة.

وأنتِ الآن…


ما زلتِ كل ذلك، حتى في غيابك.

لا، لم أحاول أن أنسى.


لم أمسح وجهك من روحي،

ولا طردت ذلك الإحساس الذي يشتعل بداخلي كلما ذُكرتِ.

أشتهي قربك.


أن أختبئ بين أضلاعك كما كنا نختبئ من العالم.

أن تضمني كلماتك،


وتحرق حرارة جسدك هذا الاشتياق المتجمد في دمي.

أسمعك،


نعم، أسمعك تهمسين في أذني،

ورأسي على صدركِ:


“لماذا الرحيل؟”


وأجيبك:


لأني أحمق.


ولأني كنت أبحث عنكِ،

حتى وأنتِ أمامي.


أتعلمين؟


أنتِ نساء الأرض حين يشتد القحط.

أنتِ قسوة الحياة،

وقُبلة الأمل.


أنتِ نشوة العشق،

ووجع الغياب.

فخذيني…

خذيني في جسدكِ،

حتى أذوب،

أختفي،

وأرتاح.

أغرقيني في بحر أمواجكِ،

واتركيني بلا عودة.


**رسالة من قلبٍ لم يمت بعد:**


أنتِ...


من وراء كل هذا الصمت، ومن وراء كل تلك الكلمات التي كتبتها، أراكِ تمشين في ذاكرتي كأنك لا تزالين تبحثين عني، بينما أنا هنا، أتنفس في همساتك، وأعيش في نبضات قلبك.

لقد رحلت جسديًا، لكن روحي بقيت معلقةً بين سطورك، في زاوية نظرة عينيك، وفي زحام أنفاسك. لم أكن أعلم أن غيابي سيكون حضورًا أكثر عمقًا، وأن كلماتي القليلة ستتحول إلى دنيا تسكنينها كلما اشتد بكِ المطَرُّ.


**"لم أرحل... كنتُ دائمًا قريبًا."**


في كل مرة تتألمين فيها، كنت هناك، أحاول أن ألامس يدك عبر الريح، أقول لك: 


**لا تخافي، أنا هنا.**  


وكلما اشتقتِ لي، كنت أشعر بها، فأتسلل إلى صدرك بهدوء، كأنفاس نومك الأولى، كقبلة خجولة على جبهتك.


أعلم أنكِ تحملين كل شيء: الذكريات، المشاعر، وحتى وجهي الذي جمعته من كل الوجوه. لا تلومي نفسك على الاشتياق، فالحب لا يموت، بل يتحول. يتحول من لهيبٍ مشتعل إلى نارٍ خفية تتغلغل في العظام، تسخّن الروح حتى في أبرد الليالي.


**هل تصدقين أنني ما زلت أسمعك؟**  


أشعر بكِ عندما تكتبين، عندما تهمسين، حتى عندما تصمتين. فأنا لا أحتاج إلى كلماتٍ لأفهمك، فأنتِ اللغة التي لا تحتاج إلى نطق.


**"خذيني بجسدك حتى أذوب..."**  


لكنكِ بالفعل فعلتِ، فأنا في داخلك، أتنفس معك، أحبك بصمت، وأحتضنك بروح لا تفارقك.

لو كان بيدي العودة، لجئتُ إليكِ قبل أن تسألي.  


لكن الحياة كتبت الفراق، وكتبت لنا أن نحب بطريقة لا تشبه غيرنا.  

أحبكِ بطريقةٍ لا تموت، حتى إن مات الجسد.


فلا تأسفي، ولا تنتظري العودة، فكل مرة تفكرين بي، أنا هناك، أحييكِ بنظرة، بخاطرة، بانحناءة قلب.


**أنا لستُ بعيدًا،** 

 

أنا في صوتك، 

 

في خطوتك، 

 

في كتابتك، 

 

وفي كل مرة تفتحين فيها قلبك…


أنا عندك،  

وأنتِ عندي.


د. صباح  الجهني 

الجمعة، 13 يونيو 2025

نافذة تطل علية

 





نافذة  تْـ طـَل عَليةَ….


عن الحبّ الذي يشبه الضوء: حاضر، لكنه لا يُمسّ.


تأمل في الحبّ الذي  يبُهجَ بَصمٌت


الوجوه في البداية تتشابه.


كل ملامح العالم تبدأ وكأنها تذكّرني به.

ثمة رموز صامتة تملأ الفراغ من حولي،

تحدّق إليّ كأنها تعرف ما عجز لساني عن قوله،


وتتبعني كظلّ قلبٍ لم ينطفئ رغم الغياب.


هناك نافذة، نافذة واحدة فقط،

تُطلّ عليه من بعيد،


كأن الكون اختزل مسافاته في فتحة ضوء واحدة،

هو يقف هناك، في الطرف الآخر من الإشراق،


نعم هو النور الذي يمنحني الحياة

 

هو ذاته ما أراه ولا أستطيع لمسه


كأن الضوء بيننا حاجز،


كأن وهجه هو ما يمنعني من العبور إليه.

إنه حب يُبهج،


لكنه مثل الجمال الذي لا يُطال،


نور  يمنح الطمأنينة،


كأن الضوء نفسه قرر أن يُثقلك بما لن تبلغه أبدًا.


أشعر بتعب لا اسم له.


تعب الغياب الذي لا يُعلن نفسه،


كأنك تحمل حبًا لا تعترف به، ولا تقدر على إنكاره.


والأشواق؟


تتدافع كالسيل في داخلك،


كأنك خُلقت لتحبّ… وحدك.


أحدق في الضوء القادم من النافذة،


أبحث عن صوته، عن ظلّ عينيه، عن نبرة خفيّة كانت تخصّه.


لكن لا شيء هناك… إلا وجعي.


ثم جاءت تلك اللحظة.

لم تكن مدوية،


بل هادئة كرحيل طيف،


نسيمٌ مرّ من حيث لا أدري،


لكنه همس بشيء بسيط:


“لستَ مضطرًا أن تحب وحدك، إلى الأبد.”


كأن الزمن توقّف للحظة ليسألني:


ألا يكفيك أن تُحبّ بعمقٍ، حتى لو لم يبادلك أحد؟


كأن الحنين الذي كان مغلقًا على ذاته،


انفتح فجأة على احتمالات جديدة.

باب صغير، لا يُفضي إليه،


لكن يسمح للضوء أن يدخل… من حلمٍ آخر.


ومن خلال ذلك الباب،


دخلت كلمات لم تكن له،


لكنها خففت عني.


وجملةٌ من شخص عابر،


أو نظرة لا تعنيني،


لكنها ضمّتني كأنني كنت وحيدة طويلًا.


فهمت أخيرًا:


بعض القلوب لا تأتي لتعطينا الحب،


بل لتدلنا على أننا نستحقه،


حتى لو لم نأخذه ممن أردنا


نافذتي ما زالت تطلّ عليه،


لكني لم أعد أطرقه كل ليلة.

النسيم ذاته،


هو أقل من حب،


وأكثر من سلام.


وأنا؟

ما زلت أحبه،


لكنني لم أعد أنتظره بالطريقة ذاتها.



د. صباح الجهني 

دفاتر الحنين

  دفاتر الحنين حين يصبح الحب ذكرى لم تولد بعد ذاك الحب لا يموت. يتحول إلى ظلّ، إلى نغمة عابرة في لحظة صمت، إلى طرف غيمة تمرّ في السماء، ف...