الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم: ملاذٌ لا معركة
في عصر تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الجنسين على مسرح العالم الحديث، لم تعد النساء تميلن إلى الصورة النمطية للرجل القوي المهيمن، ذلك الذي يُفترض فيه أن يكون الصخب والهيمنة من أدواته. بل صارت المرأة، بفعل وعيها المتصاعد ونضجها الذاتي، تبحث عن نموذج آخر، نموذج يتجاوز الأسطورة الذكورية التي بُنيت على الحرب والقتال.
الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم ليس ذلك المحارب الذي يدخل المعركة وهو مغطى بالدروع، بل هو الملاذ الذي لا يُرهب، الظل الذي يحتضن دون أن يهيمن، الوجود الذي يسمح بوجود الآخر دون شَرْط تغيير أو تقليص.
إن هذه الرغبة تنبع من تحول فلسفي عميق في الوعي الأنثوي: لم تعد المرأة ترى في نفسها امتدادًا لسلطة الرجل أو مشروعًا للتشكيل، بل كيانًا مستقلاً ذي أبعاد متعددة، عاطفية وفكرية وروحية. الرجل الملاذ هو من يدرك هذه الحقيقة، ويستقبلها لا كتهديد، بل كدعوة لإعادة تعريف الرجولة خارج أنماط السيطرة التقليدية.
علاقة الرجل بهذا الوعي هي علاقة تجاذب بين الاستقرار والحرية، بين الحضور والاحترام. إنه رجل يدرك أن “القوة” ليست في الصوت العالي أو في فرض السيطرة، بل في الاتزان النفسي والاحتواء. القوة الحقيقية تكمن في القدرة على توفير مساحة أمان، حيث يمكن للمرأة أن تعبر عن ذاتها بلا خوف من الرفض أو التهميش.
هنا تنقلب مفاهيم البطولة: لم تعد البطولة حكرًا على السيطرة والانتصار على الآخر، بل صارت في الثبات والوفاء، في القدرة على الحضور والاحترام، في أن يكون المرء نفسه دون الحاجة إلى فرض هوية مزيفة أو مختلقة.
الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم هو في جوهره مثل الفيلسوف ابن رشد، الذي أنصف العقل دون أن يخافه، مثل كافكا المرتبك الذي كتب عن الحب كمحنة وجودية، أو مثل تشيخوف الذي أدرك أن أجمل العلاقات هي التي لا تتطلب صراع إثبات، بل تنمو في سكون وصدق.
ليس هو الممثل الذي يقدم دور البطولة في مسرح الحياة، بل هو الشاهد الحاضر الذي لا يسرق الضوء بل يضيء بهدوء من حوله. علاقة الحب عنده ليست لعبة قوة أو صراع أدوار، بل هي مسافة وجودية تتيح لكل طرف أن يكون أكثر صدقًا مع ذاته.
هل هذا الرجل موجود؟ أو هل هو فكرة مثالية ولدت من رحم وجع التجارب وفشل النماذج القديمة؟ ربما هو ثمرة التحول الذي تمر به المرأة حين تستعيد مكانتها الإنسانية بعيدًا عن قيود الدور الاجتماعي المرسوم. ربما هو دعوة صامتة لكل رجل أن يعيد قراءة معنى رجولته في زمن ما بعد الهيمنة.
في النهاية
إنه رجل لا يعد بوعد مستحيل، بل يحضر كما هو، ضعيفًا وقويًا، باحثًا عن توازن بين الذات والآخر، لا ليغزو أو يسيطر، بل ليشارك ويُحترم. نادر؟ نعم، وربما نادر لأن التاريخ لم يعِد هذا النموذج، أو لأنه يحتاج إلى زمن جديد ليولد وينمو.
د. صباح الجهني