صراع البشر بين الدين والتقليد: مواسم متقلّبة بين الخوف والعادة
ما بين لحظة خوفٍ عميق وصوت ضميرٍ مرتجف، يتشبّث الإنسان بالدين.
وما بين رخاء الحياة وسطوة الجماعة، يستسلم للتقليد.
هكذا، وبلا وعي واضح، يتقلّب البشر بينهما وكأنهم أسرى موسمٍ داخلي، لا اختيار فيه للعقل، بل تملي فيه النفس ميولها وفق حاجتها لا وعيها.
حين يواجه الإنسان المجهول، الموت، المرض، أو الظلم، ينكفئ إلى الدين… يفتّش عن عدالة إلهية، عن طمأنينة فوقية، عن معنى لا توفره الأرض.
وحين يطمئن، يعود إلى تقاليد الجماعة، لا لأنها أصدق، بل لأنها مألوفة… ومَن عاش طويلًا في قيدٍ ناعم، صار يخاف الحرية.
الدين، حين يُفهم في جوهره، حركة نحو الحق، نحو التفكر، نحو مسؤولية الذات أمام خالقها.
أما التقليد، فهو محاولة لتكرار ما فعله الآخرون كي لا يتحمل الإنسان عبء التفكير.
ولهذا، يُفهم لماذا ترى إنسانًا يُصلّي ويغش، أو يحج ويظلم، أو يتحجب ويقسو… لأنه يمارس “الدين” بروح التقليد، لا بروح الإيمان.
في بعض المجتمعات، يصبح الدين نفسه جزءًا من التقليد.
فتُمارس الفروض كطقوس اجتماعية، لا كعلاقة روحية.
وتُحاكُم الناس لا على نواياهم، بل على مظهرهم.
ويُمدح الصامت لا لأنه حكيم، بل لأنه لم يعترض.
في رمضان، تفيض المساجد بالمصلين… وفي الأعياد تفيض الأسواق بالمظاهر.
في الحزن، نرفع أكفّ الدعاء… وفي الأفراح ننسى من دعوناه.
إنها مواسم داخلية، نعيشها نحن… لا لأنها من الدين، بل لأنها منّا، من هشاشتنا، من تقلبنا.
فهل نحن متدينون فعلًا؟ أم مجرد مكرّري طقوس؟
هل نلجأ إلى الدين بحثًا عن الله؟ أم لنُرضي المجتمع؟
هل نلتزم لأنه الحق؟ أم لأنه المألوف؟
إنه صراع داخلي لا يُحسم بسهولة، لأن التقليد يمنحنا الأمان، والدين يطلب منا الشجاعة.
التقليد يريحنا من التفكير، والدين يدفعنا إلى المواجهة.
وحين يتلبس التقليد بلباس الدين، تضيع الحدود، ويصعب على الإنسان أن يعرف هل ما يفعله لله… أم للناس؟
إنه صراع يتكرر مع كل جيل، وكل ظرف، وكل نفس:
حين نمرض نصلّي، وحين نُشفى ننسى.
حين نخاف نتطهّر، وحين نرتاح نتساهل.
نعيش في تذبذب، كأنّ التدين موسم، لا سلوك دائم.
البشر لا يعيشون الدين دومًا بدافع اليقين، بل أحيانًا بدافع الحاجة أو الخوف أو التبعية.
والتقليد لا يُعدّ شرًا إن لم يُقتل الروح.
لكن الدين حين يُختزل في تقليد، يفقد جوهره.
والإنسان حين يتعبد بعادة، لا بإرادة، يتحول إلى آلة شعائر لا روح فيها.
فلننظر في دوافعنا… لعلنا نجد الله أقرب من تقاليدنا، وأرحم من جماعاتنا، وأكثر صدقًا من موسم قلقنا.
د. صباح الجهني