الأربعاء، 9 يوليو 2025

الدين والتقليد مواسم متقلبة بين الخوف والعادة

 






صراع البشر بين الدين والتقليد: مواسم متقلّبة بين الخوف والعادة


ما بين لحظة خوفٍ عميق وصوت ضميرٍ مرتجف، يتشبّث الإنسان بالدين.

وما بين رخاء الحياة وسطوة الجماعة، يستسلم للتقليد.

هكذا، وبلا وعي واضح، يتقلّب البشر بينهما وكأنهم أسرى موسمٍ داخلي، لا اختيار فيه للعقل، بل تملي فيه النفس ميولها وفق حاجتها لا وعيها.


حين يواجه الإنسان المجهول، الموت، المرض، أو الظلم، ينكفئ إلى الدين… يفتّش عن عدالة إلهية، عن طمأنينة فوقية، عن معنى لا توفره الأرض.

وحين يطمئن، يعود إلى تقاليد الجماعة، لا لأنها أصدق، بل لأنها مألوفة… ومَن عاش طويلًا في قيدٍ ناعم، صار يخاف الحرية.


الدين، حين يُفهم في جوهره، حركة نحو الحق، نحو التفكر، نحو مسؤولية الذات أمام خالقها.

أما التقليد، فهو محاولة لتكرار ما فعله الآخرون كي لا يتحمل الإنسان عبء التفكير.

ولهذا، يُفهم لماذا ترى إنسانًا يُصلّي ويغش، أو يحج ويظلم، أو يتحجب ويقسو… لأنه يمارس “الدين” بروح التقليد، لا بروح الإيمان.


في بعض المجتمعات، يصبح الدين نفسه جزءًا من التقليد.

فتُمارس الفروض كطقوس اجتماعية، لا كعلاقة روحية.

وتُحاكُم الناس لا على نواياهم، بل على مظهرهم.

ويُمدح الصامت لا لأنه حكيم، بل لأنه لم يعترض.


في رمضان، تفيض المساجد بالمصلين… وفي الأعياد تفيض الأسواق بالمظاهر.

في الحزن، نرفع أكفّ الدعاء… وفي الأفراح ننسى من دعوناه.

إنها مواسم داخلية، نعيشها نحن… لا لأنها من الدين، بل لأنها منّا، من هشاشتنا، من تقلبنا.


فهل نحن متدينون فعلًا؟ أم مجرد مكرّري طقوس؟

هل نلجأ إلى الدين بحثًا عن الله؟ أم لنُرضي المجتمع؟

هل نلتزم لأنه الحق؟ أم لأنه المألوف؟


إنه صراع داخلي لا يُحسم بسهولة، لأن التقليد يمنحنا الأمان، والدين يطلب منا الشجاعة.

التقليد يريحنا من التفكير، والدين يدفعنا إلى المواجهة.

وحين يتلبس التقليد بلباس الدين، تضيع الحدود، ويصعب على الإنسان أن يعرف هل ما يفعله لله… أم للناس؟


إنه صراع يتكرر مع كل جيل، وكل ظرف، وكل نفس:

حين نمرض نصلّي، وحين نُشفى ننسى.

حين نخاف نتطهّر، وحين نرتاح نتساهل.

نعيش في تذبذب، كأنّ التدين موسم، لا سلوك دائم.


البشر لا يعيشون الدين دومًا بدافع اليقين، بل أحيانًا بدافع الحاجة أو الخوف أو التبعية.

والتقليد لا يُعدّ شرًا إن لم يُقتل الروح.

لكن الدين حين يُختزل في تقليد، يفقد جوهره.

والإنسان حين يتعبد بعادة، لا بإرادة، يتحول إلى آلة شعائر لا روح فيها.


فلننظر في دوافعنا… لعلنا نجد الله أقرب من تقاليدنا، وأرحم من جماعاتنا، وأكثر صدقًا من موسم قلقنا.


د. صباح الجهني

الاثنين، 7 يوليو 2025

حين تبتسمين… تُشفى الأرض قليلاً







حين تبتسمين… تُشفى الأرض قليلاً


ثمة لحظات في الحياة لا تحتاج إلى ضوء، ولا إلى تفسير، يكفي أن تبتسمي.

في عالم يُثقلنا بالحروب، بالفقد، بالخسارات الصامتة، تصبح الابتسامة عملًا خارقًا… كأنها نافذة تُفتح في جدار خانق، أو نغمة نقية تتسلل وسط ضجيج مُتخم بالأسى.


كنتِ تقفين عند حافة الحزن، صامتة كأنكِ صلاة قديمة نسيها المصلّون، ثم لمحْتِ شيئًا صغيرًا، بسيطًا… ربما طيرًا يحلّق وحده، أو طفلة تمسك غيمة.

فارتفعت الزوايا المرتجفة في وجهكِ، وابتسمتِ.

تلك اللحظة العابرة لم تكن عابرة أبدًا. لقد انبثقتِ كما تنبثق الينابيع من شقوق اليابسة.


أنتِ جميلة حين تبتسمين، لا لأنّ ملامحكِ تتبدّل، بل لأن العالم نفسه يتغيّر.

يصبح أقلّ قسوة، أقلّ صلابة، وأكثر احتمالًا.

فالابتسامة الحقيقية لا تُجمّل الوجه فقط، بل تُرمم الداخل، تُعيد للروح جزءًا من اتزانها، وتذكرها بأنها لا تزال قادرة على النهوض، على التجدّد، على الحُبّ حتى.


ليست ابتسامتكِ فعلًا سطحيًا كما يظن البعض، بل هي مقاومة.

مقاومة للهشاشة، للخذلان، للخذْر النفسي الذي يُصيب من عاش طويلاً تحت ضغط لا يُرى.

هي احتجاج صامت على كل ما أراد أن يكسر داخلكِ شيئًا… فأنتِ حين تبتسمين، تقولين دون كلام:

“أنا ما زلتُ هنا، وما زال فيّ من النور ما يكفي لأهزم العتمة.


حين تبتسمين في وجه من خذلك، لا تكونين ضعيفة، بل شجاعة بما يكفي لتتجاوزي الألم دون أن تغرقي فيه.

تبتسمين لا لأنكِ نسيتي، بل لأنكِ اخترتِ ألّا تبقي رهينة الألم.


أحببتكِ حين ابتسمتِ… لأنكِ، في تلك اللحظة، لم تكوني امرأة فقط، بل كنتِ حياة تمشي، ومأوى يشبه الوطن، وصوتًا يقول للعالم:

“أنا لن أنكسر، حتى لو التوت أغصاني قليلًا الريح.


وفي زمان يربط الجمال بالمظاهر، كنتِ الدليل الحي على أن الجمال، في جوهره، هو أن تبتسمي رغم الألم، أن ترفعي رأسكِ وسط الزحام، وتواصلي السير بأناقة القلب لا بثياب الواجهة.


ابتسامتكِ يا صديقتي… لا تضيء وجهكِ فقط، بل تُشفى بها الأرض قليلاً


د. صباح الجهني

لا تنتصر على أهلك… فالانتصار عليهم هزيمة






لا تنتصر على أهلك… فالانتصار عليهم هزيمة


ليست كل الحروب تُخاض بالسلاح، بعضُها يدور في الصدر، في الذاكرة، في روابط الدم.

وحين يكون خصمك من أهلك، تصبح المعركة خاسرة قبل أن تبدأ، ولو رفعت فيها راية النصر.


قد يدفعك الظلم إلى المواجهة، ويستفزك الجرح لتردّ،

لكن هناك حقائق لا تُقال كثيرًا:

أنك حين تُغلب من تحب، حين تُسكت صوتهم بالصوت أو المنطق أو حتى العدالة… تخسر شيئًا منك.

شيئًا صغيرًا، لكنه عميق، لا يُعوّض.


فالانتصار في بيتك ليس مجدًا،

بل ندبة لا تراها العيون، لكنها تسكن قلبك إلى الأبد.


الدم إذا صار خصمًا، نزفك لا يتوقّف،

لا لأنك انجرحت، بل لأنك كُسرت من الداخل… من موضع الثقة والانتماء والأصل.


سيقولون لك: “لا تسكت عن حقك”.

وسيخونك صوتك الداخلي، يطالبك بأن تواجه، بأن تقاتل…

لكن الحكيم لا يدخل حربًا يعرف أن الخسائر فيها لن تكون عادلة،

لأنها ليست ضد غريب، بل ضد من شكّلك يومًا، حتى لو جرحك.


الانتصار على الأهل ليس بطولة،

بل فصلٌ من الحزن لا يُكتب،

وخسارة في معركة لم يكن ينبغي أن تبدأ.


غادر إذا احتدمت المعركة،

غادر بصمت، لا هربًا… بل حفاظًا على ما تبقى منك ومنهم.


فبعض النزاعات لا تُكسب… تُتجنّب.

وبعض الكرامة لا تُسترد بالرد، بل بالحفاظ على ما تبقى من صلة الرحم، حتى لو كانت مجروحة.





د. صباح الجهني 

السبت، 5 يوليو 2025

الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم: ملاذٌ لا معركة




 الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم: ملاذٌ لا معركة


في عصر تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الجنسين على مسرح العالم الحديث، لم تعد النساء تميلن إلى الصورة النمطية للرجل القوي المهيمن، ذلك الذي يُفترض فيه أن يكون الصخب والهيمنة من أدواته. بل صارت المرأة، بفعل وعيها المتصاعد ونضجها الذاتي، تبحث عن نموذج آخر، نموذج يتجاوز الأسطورة الذكورية التي بُنيت على الحرب والقتال.


الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم ليس ذلك المحارب الذي يدخل المعركة وهو مغطى بالدروع، بل هو الملاذ الذي لا يُرهب، الظل الذي يحتضن دون أن يهيمن، الوجود الذي يسمح بوجود الآخر دون شَرْط تغيير أو تقليص.


إن هذه الرغبة تنبع من تحول فلسفي عميق في الوعي الأنثوي: لم تعد المرأة ترى في نفسها امتدادًا لسلطة الرجل أو مشروعًا للتشكيل، بل كيانًا مستقلاً ذي أبعاد متعددة، عاطفية وفكرية وروحية. الرجل الملاذ هو من يدرك هذه الحقيقة، ويستقبلها لا كتهديد، بل كدعوة لإعادة تعريف الرجولة خارج أنماط السيطرة التقليدية.


علاقة الرجل بهذا الوعي هي علاقة تجاذب بين الاستقرار والحرية، بين الحضور والاحترام. إنه رجل يدرك أن “القوة” ليست في الصوت العالي أو في فرض السيطرة، بل في الاتزان النفسي والاحتواء. القوة الحقيقية تكمن في القدرة على توفير مساحة أمان، حيث يمكن للمرأة أن تعبر عن ذاتها بلا خوف من الرفض أو التهميش.


هنا تنقلب مفاهيم البطولة: لم تعد البطولة حكرًا على السيطرة والانتصار على الآخر، بل صارت في الثبات والوفاء، في القدرة على الحضور والاحترام، في أن يكون المرء نفسه دون الحاجة إلى فرض هوية مزيفة أو مختلقة.


الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم هو في جوهره مثل الفيلسوف ابن رشد، الذي أنصف العقل دون أن يخافه، مثل كافكا المرتبك الذي كتب عن الحب كمحنة وجودية، أو مثل تشيخوف الذي أدرك أن أجمل العلاقات هي التي لا تتطلب صراع إثبات، بل تنمو في سكون وصدق.


ليس هو الممثل الذي يقدم دور البطولة في مسرح الحياة، بل هو الشاهد الحاضر الذي لا يسرق الضوء بل يضيء بهدوء من حوله. علاقة الحب عنده ليست لعبة قوة أو صراع أدوار، بل هي مسافة وجودية تتيح لكل طرف أن يكون أكثر صدقًا مع ذاته.


هل هذا الرجل موجود؟ أو هل هو فكرة مثالية ولدت من رحم وجع التجارب وفشل النماذج القديمة؟ ربما هو ثمرة التحول الذي تمر به المرأة حين تستعيد مكانتها الإنسانية بعيدًا عن قيود الدور الاجتماعي المرسوم. ربما هو دعوة صامتة لكل رجل أن يعيد قراءة معنى رجولته في زمن ما بعد الهيمنة.

في النهاية 

إنه رجل لا يعد بوعد مستحيل، بل يحضر كما هو، ضعيفًا وقويًا، باحثًا عن توازن بين الذات والآخر، لا ليغزو أو يسيطر، بل ليشارك ويُحترم. نادر؟ نعم، وربما نادر لأن التاريخ لم يعِد هذا النموذج، أو لأنه يحتاج إلى زمن جديد ليولد وينمو.



د. صباح الجهني 

الدين والتقليد مواسم متقلبة بين الخوف والعادة

  صراع  البشر بين الدين والتقليد: مواسم متقلّبة بين الخوف والعادة ما بين لحظة خوفٍ عميق وصوت ضميرٍ مرتجف، يتشبّث الإنسان بالدين. وما بين رخا...