الاثنين، 7 يوليو 2025

حين تبتسمين… تُشفى الأرض قليلاً







حين تبتسمين… تُشفى الأرض قليلاً


ثمة لحظات في الحياة لا تحتاج إلى ضوء، ولا إلى تفسير، يكفي أن تبتسمي.

في عالم يُثقلنا بالحروب، بالفقد، بالخسارات الصامتة، تصبح الابتسامة عملًا خارقًا… كأنها نافذة تُفتح في جدار خانق، أو نغمة نقية تتسلل وسط ضجيج مُتخم بالأسى.


كنتِ تقفين عند حافة الحزن، صامتة كأنكِ صلاة قديمة نسيها المصلّون، ثم لمحْتِ شيئًا صغيرًا، بسيطًا… ربما طيرًا يحلّق وحده، أو طفلة تمسك غيمة.

فارتفعت الزوايا المرتجفة في وجهكِ، وابتسمتِ.

تلك اللحظة العابرة لم تكن عابرة أبدًا. لقد انبثقتِ كما تنبثق الينابيع من شقوق اليابسة.


أنتِ جميلة حين تبتسمين، لا لأنّ ملامحكِ تتبدّل، بل لأن العالم نفسه يتغيّر.

يصبح أقلّ قسوة، أقلّ صلابة، وأكثر احتمالًا.

فالابتسامة الحقيقية لا تُجمّل الوجه فقط، بل تُرمم الداخل، تُعيد للروح جزءًا من اتزانها، وتذكرها بأنها لا تزال قادرة على النهوض، على التجدّد، على الحُبّ حتى.


ليست ابتسامتكِ فعلًا سطحيًا كما يظن البعض، بل هي مقاومة.

مقاومة للهشاشة، للخذلان، للخذْر النفسي الذي يُصيب من عاش طويلاً تحت ضغط لا يُرى.

هي احتجاج صامت على كل ما أراد أن يكسر داخلكِ شيئًا… فأنتِ حين تبتسمين، تقولين دون كلام:

“أنا ما زلتُ هنا، وما زال فيّ من النور ما يكفي لأهزم العتمة.


حين تبتسمين في وجه من خذلك، لا تكونين ضعيفة، بل شجاعة بما يكفي لتتجاوزي الألم دون أن تغرقي فيه.

تبتسمين لا لأنكِ نسيتي، بل لأنكِ اخترتِ ألّا تبقي رهينة الألم.


أحببتكِ حين ابتسمتِ… لأنكِ، في تلك اللحظة، لم تكوني امرأة فقط، بل كنتِ حياة تمشي، ومأوى يشبه الوطن، وصوتًا يقول للعالم:

“أنا لن أنكسر، حتى لو التوت أغصاني قليلًا الريح.


وفي زمان يربط الجمال بالمظاهر، كنتِ الدليل الحي على أن الجمال، في جوهره، هو أن تبتسمي رغم الألم، أن ترفعي رأسكِ وسط الزحام، وتواصلي السير بأناقة القلب لا بثياب الواجهة.


ابتسامتكِ يا صديقتي… لا تضيء وجهكِ فقط، بل تُشفى بها الأرض قليلاً


د. صباح الجهني

لا تنتصر على أهلك… فالانتصار عليهم هزيمة






لا تنتصر على أهلك… فالانتصار عليهم هزيمة


ليست كل الحروب تُخاض بالسلاح، بعضُها يدور في الصدر، في الذاكرة، في روابط الدم.

وحين يكون خصمك من أهلك، تصبح المعركة خاسرة قبل أن تبدأ، ولو رفعت فيها راية النصر.


قد يدفعك الظلم إلى المواجهة، ويستفزك الجرح لتردّ،

لكن هناك حقائق لا تُقال كثيرًا:

أنك حين تُغلب من تحب، حين تُسكت صوتهم بالصوت أو المنطق أو حتى العدالة… تخسر شيئًا منك.

شيئًا صغيرًا، لكنه عميق، لا يُعوّض.


فالانتصار في بيتك ليس مجدًا،

بل ندبة لا تراها العيون، لكنها تسكن قلبك إلى الأبد.


الدم إذا صار خصمًا، نزفك لا يتوقّف،

لا لأنك انجرحت، بل لأنك كُسرت من الداخل… من موضع الثقة والانتماء والأصل.


سيقولون لك: “لا تسكت عن حقك”.

وسيخونك صوتك الداخلي، يطالبك بأن تواجه، بأن تقاتل…

لكن الحكيم لا يدخل حربًا يعرف أن الخسائر فيها لن تكون عادلة،

لأنها ليست ضد غريب، بل ضد من شكّلك يومًا، حتى لو جرحك.


الانتصار على الأهل ليس بطولة،

بل فصلٌ من الحزن لا يُكتب،

وخسارة في معركة لم يكن ينبغي أن تبدأ.


غادر إذا احتدمت المعركة،

غادر بصمت، لا هربًا… بل حفاظًا على ما تبقى منك ومنهم.


فبعض النزاعات لا تُكسب… تُتجنّب.

وبعض الكرامة لا تُسترد بالرد، بل بالحفاظ على ما تبقى من صلة الرحم، حتى لو كانت مجروحة.





د. صباح الجهني 

السبت، 5 يوليو 2025

الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم: ملاذٌ لا معركة




 الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم: ملاذٌ لا معركة


في عصر تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الجنسين على مسرح العالم الحديث، لم تعد النساء تميلن إلى الصورة النمطية للرجل القوي المهيمن، ذلك الذي يُفترض فيه أن يكون الصخب والهيمنة من أدواته. بل صارت المرأة، بفعل وعيها المتصاعد ونضجها الذاتي، تبحث عن نموذج آخر، نموذج يتجاوز الأسطورة الذكورية التي بُنيت على الحرب والقتال.


الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم ليس ذلك المحارب الذي يدخل المعركة وهو مغطى بالدروع، بل هو الملاذ الذي لا يُرهب، الظل الذي يحتضن دون أن يهيمن، الوجود الذي يسمح بوجود الآخر دون شَرْط تغيير أو تقليص.


إن هذه الرغبة تنبع من تحول فلسفي عميق في الوعي الأنثوي: لم تعد المرأة ترى في نفسها امتدادًا لسلطة الرجل أو مشروعًا للتشكيل، بل كيانًا مستقلاً ذي أبعاد متعددة، عاطفية وفكرية وروحية. الرجل الملاذ هو من يدرك هذه الحقيقة، ويستقبلها لا كتهديد، بل كدعوة لإعادة تعريف الرجولة خارج أنماط السيطرة التقليدية.


علاقة الرجل بهذا الوعي هي علاقة تجاذب بين الاستقرار والحرية، بين الحضور والاحترام. إنه رجل يدرك أن “القوة” ليست في الصوت العالي أو في فرض السيطرة، بل في الاتزان النفسي والاحتواء. القوة الحقيقية تكمن في القدرة على توفير مساحة أمان، حيث يمكن للمرأة أن تعبر عن ذاتها بلا خوف من الرفض أو التهميش.


هنا تنقلب مفاهيم البطولة: لم تعد البطولة حكرًا على السيطرة والانتصار على الآخر، بل صارت في الثبات والوفاء، في القدرة على الحضور والاحترام، في أن يكون المرء نفسه دون الحاجة إلى فرض هوية مزيفة أو مختلقة.


الرجل الذي تميل إليه النساء اليوم هو في جوهره مثل الفيلسوف ابن رشد، الذي أنصف العقل دون أن يخافه، مثل كافكا المرتبك الذي كتب عن الحب كمحنة وجودية، أو مثل تشيخوف الذي أدرك أن أجمل العلاقات هي التي لا تتطلب صراع إثبات، بل تنمو في سكون وصدق.


ليس هو الممثل الذي يقدم دور البطولة في مسرح الحياة، بل هو الشاهد الحاضر الذي لا يسرق الضوء بل يضيء بهدوء من حوله. علاقة الحب عنده ليست لعبة قوة أو صراع أدوار، بل هي مسافة وجودية تتيح لكل طرف أن يكون أكثر صدقًا مع ذاته.


هل هذا الرجل موجود؟ أو هل هو فكرة مثالية ولدت من رحم وجع التجارب وفشل النماذج القديمة؟ ربما هو ثمرة التحول الذي تمر به المرأة حين تستعيد مكانتها الإنسانية بعيدًا عن قيود الدور الاجتماعي المرسوم. ربما هو دعوة صامتة لكل رجل أن يعيد قراءة معنى رجولته في زمن ما بعد الهيمنة.

في النهاية 

إنه رجل لا يعد بوعد مستحيل، بل يحضر كما هو، ضعيفًا وقويًا، باحثًا عن توازن بين الذات والآخر، لا ليغزو أو يسيطر، بل ليشارك ويُحترم. نادر؟ نعم، وربما نادر لأن التاريخ لم يعِد هذا النموذج، أو لأنه يحتاج إلى زمن جديد ليولد وينمو.



د. صباح الجهني 

الاثنين، 30 يونيو 2025

لستُ ضحية، بل شاهدة







لستُ ضحية، بل شاهدة


كانت الغرفة خافتة الضوء، تفوح منها رائحة أنثوية رخيصة لا تشبهني، لكنها تشبهك. رائحتها هي رائحتك. شعرها مبلل، وهو نصف عارٍ، وعيناهما حين التفتا إليك لم تنكرا، بل تجمدتا للحظة، كأنك ظل عابر لا يستحق حتى الذهول.

نبض قلبك سبق كلماتك، ارتجف جسدك كما لو التقطت يدك من نار، ورميت حقيبتك كأنها عبء النجاة المتأخر.

خطوت نحوها، بلا تفكير، بلا عقل.

لم تكن الخيانة زلّة عفوية أو لحظة ضعف، بل كانت اختيارًا واعيًا، قررت فيه أن تمحو وجهي من مرآتك، أن تهدم أعمدة بيت ظننته صلبًا، فإذا بها تنهار كأعواد يابسة.


دخلت امرأة إلى فراشك، لا تحمل ملامحي، لا تعرف اسمي، لكنك منحتها إياه، كأنك تنزعني من ذاتي وتلصق اسمي على جسد غريب.

أي عبث هذا؟

أي انحدار يجعلك تبيع تاريخًا بكلمة، وتهدي اسمي لمن لا يشبهني، وتنطق به بلسان لا يعرف الطهر ولا الوفاء؟

لقد داس كرامتي أرضًا، ليس لأنك خنت، بل لأنك أذللتني باسم لم تعد تعرف كيف تحترمه.


صفعة. صرخة.

غضبتُ من المرأة، لا منك. كأنني أردت أن أقتصّ من الصورة، لا من الحقيقة، من المرآة التي كشفت بشاعتك، لا منك.

لم تكن “العاهرة” سوى تجسيد لانهيارك، لخذلانك، للشتيمة التي وجهها إليك حين قررت الخيانة، جسدًا وروحًا.

كانت صورة مقلوبة، سقطت من مرآة مهشّمة، حين انكسر الحب وانكشفت النوايا.


في تلك اللحظة، لم يكن خائنًا فقط، بل جلادًا يبتسم بعد تنفيذ حكمه.

نظر إليك بلا اعتذار، بلا اندهاش، بلا تفسير. توقفت عيناه على عينيك، كأنه يسأل:

“وماذا كنت تظنين؟”


تلك الساقطة لم تسرقه مني، بل كانت النصل الذي اخترته لطعني به.

لم يكن جسدها الخيانة، بل سكوتي السابق، وثقتي الغبية.

حبك تآمر علي مع الغريزة، وكانت الشتيمة متجسدة في امرأة بلحم ووجه وشعر مبلل… امرأة لم تعرفني، لكني شعرت بأنها تعرف كل شيء عني.


سقط في داخلي شيء لن يعود. ليس فقط حبك، بل إيماني بأنك كافية.

رأيت نفسي في عينيها، لا كامرأة مهزومة، بل كغبية وضعت في مقارنة وخسرت.

ربما كان الألم في صمتي أكثر من خيانته، في نظرة لم تسأل عن وجعي، بل قالت بوضوح:

“أنت لست هنا الآن، لم تعد شيئًا.”


قد لا يكون ما تشعرين به حبًا.

الحب لا يوجع هكذا.

قد يكون تعلقًا بمن كنت تظنينه، لا بمن هو عليه فعلاً.

وقد يكون غضبًا من نفسك لأنك صدقت، أو لأنك منحت أكثر مما يجب.


أسأل نفسي:

هل أبكي عليه، أم أبكي على نفسي؟

هل أشتاق له، أم أشتاق لمن كنتُ وأنا معه؟


هناك يكمن الجواب.


في الخارج، كان الهواء مختلفًا، باردًا، حادًا، كأن الحياة صفعتك أيضًا وقالت: استيقظي.

انعكس ضوء الشارع على عينيك، فلم تدمعي. لا دموع.

لأن من تبكي يتوق لاسترداد شيء، وأنت كنت تودعين.


سرت في الشارع كأنك لا تحملين اسمًا، لا ماضيًا، لا حكاية.

وكم كان ذلك مريحًا، أن تكوني صفحة بيضاء… حتى لو كتبت بلون الألم.


في داخلك، لم يعد هناك سؤال، ولا حاجة لإجابات.

كنت فقط تمشين.

وهذا وحده، في تلك اللحظة، كان كافيًا لتبدئي من جديد.


في الأيام التالية، لم تنهاري.

لم تُغلقي النوافذ، ولم تتوارَي خلف الستائر.

لكن كنت تمشين داخل جسدك كأنه بيت محترق،

تبحثين عن غرفة لم يصلها اللهب، عن ركن صغير لا يزال ينبض بالحياة.


لم تكن البداية قرارًا كبيرًا، بل أشياء صغيرة جدًا:

غسل فنجان قهوتك بنفسك،

ترتيب السرير وحدك، وترك الجهة الأخرى فارغة دون ألم،

التوقف عن تفقد الهاتف،

الخروج دون عطر، دون انتظار، دون عيون تراقبك من خلفك.


لم تقولي: سأبدأ من جديد.

بل قلت: سأكمل… فقط اليوم.


يوماً بعد يوم، صارت الخطوات أقوى،

ضحكت فجأة من شيء عابر، ثم صمتت،

شعرت بالذنب، لكنك لم تعد تبكين.


لم يكن النسيان هو الحل، بل الفهم.

فهمتِ أن الخيانة ليست نهاية العالم،

بل نهاية صورة رسمتها لنفسك، وأحببتها أكثر مما أحببت من فيها.


فهمت أن العطاء لا يُقاس بكم من يبقى،

بل بقدرتك على الحب، والمسامحة، والاستمرار… دون إذلال نفسك.


بدأت تكتبين، ليس عنه، بل عنك.

عن الصدمة، عن النجاة، عن الأيام التي لم يعرف فيها أحد أنك كنت على شفير الانفجار.

بدأت ترسمين، تطبخين، تنظفين زوايا بيتك كما تنظفين قلبك.


ولم تعودي تتجنبين الأماكن التي كنت فيها معه، بل مشيت فيها وحدك من جديد،

رفعت رأسك، وقلت في سرك:

“أنا كنت هنا، وسأظل هنا. لا أحد يستطيع محوي.”


الشفاء لم يكن لحظة، بل طقوسًا هادئة، متكررة، صامتة.

وفي كل صباح، كنت تهمسين لنفسك:

“أنا لا أشفى لأجله، بل لأجلي، لأنني أستحق أن أعود كاملة.”


أصبح الماضي قصة،

وأصبحت أنت راويتها، لا أسيرتها.


د. صباح الجهني 



الدين والتقليد مواسم متقلبة بين الخوف والعادة

  صراع  البشر بين الدين والتقليد: مواسم متقلّبة بين الخوف والعادة ما بين لحظة خوفٍ عميق وصوت ضميرٍ مرتجف، يتشبّث الإنسان بالدين. وما بين رخا...