يأخذك الحنين إلى أبعد ما تكون عليه..من
انشغالات وسهرات وأمسيات لليلة تملأ وقت الفراغ ..تخرج من
الالتزامات.
تهرول نحو الفضاء بعيداً عن قيود
العالم المزعج ..تحاول السيطرة على نفسك وضبط إعدادات جسمك،حتى تحررها من
فوضاء الشعور.
تلتقي بها أرواحنا البائسة،تحت
عروش مملكتنا المتعددة،تحت علامات اللقاء والارتقاء ،تحت سنوات البحث
والتمحيص،تحت نهر الكلمات المتدفقة،كسيل يغرقك حتى تستطيع الخضوع .
يزعجني
هذا الهاجس،ويتخلل يومي بصور الطيف المتنوعة.لكن بسرعة تتراجع كل المشاهد..واستقر
على مشهد واحد.للامبالاة نحو الغروب،نحو نهاية اليوم،نحو الصباح الذي كان جزء مني،نحو
الأمل الذي فقدت..ونحوك أنت.
أنت
ذهبت بلا عودة .
الصورة المفخخة تلك..تدمرت
بالنسبة لي وأصبحت صورة لرجل عابر..من زمن غابر .
وأنا أكتب تلك الكلمات،اتصلت بي صديقتي
الجميلة،رقيقة الإحساس طيبة المشاعر صاحبة القلب الدافئ "دانا".
أي
رياح الحب قذفتك علينا..وأي شمس قررت الظهور لنا،بسرعة يا عزيزتي أريد منك
خدمة !
ماذا
عساي أن أخدمك أيتها الشمس المتلألئة شعاعاً للحالمين أمثالي
.
ضحكت وقالت:أريد أن اهرب إلى مكان بعيد
يومين فقط معك ومع صديقتنا الشقية،تلك صاحبة الأفكار العجيبة هي دائماً من يرشدنا
في طريقنا إذا تعثرنا،يمكن لنا الاعتماد عليها،هي جيدة في أدارة التفاصيل .
تم
الاتفاق وانطلقنا في رحلتنا،لم نخطط للخروج إلا في ساعة!
وتم حجز الشاليه بأقل من ربع
الساعة،لقد تم كل شيء بسرعة هكذا البشر عندما يريدون شيء،يسرعون في تحقيقه.
لم
أكن جاهزة بشكل كامل،إلا أنني حاولت أن أبسط الموضوع وأخرج بأقل من احتياجاتي لمثل
ذلك اليوم..هذا التحدي جيد بنسبة لي .
وصلنا الشاليه وكل منا أخذت
زاوية...وعم الصمت .
دانا
ذهبت إلى غرفة النوم ونامت..وكأنها تفتقد تلك الحالة من الهدوء النفسي الغير
معلن،تلك الخلوة ربما هي ما ينقصها عندما يتحدث اللاوعي،يخبرنا أشياء
نحن أيضا لا يمكن أن نلامسها .
أما عبير
فقط أخذت لنفسها مكان في أقصى الحديقة،وأخذت تتأمل الطيور والأشجار بصمت،لم
تنم كثيراً وأخذت تراجع حساباتها القديمة مع نفسها..كانت تحدث نفسها كثيراً وتنظر
لما حولها،وكأن شيئاً يخنقها ويقف بطريقها،لكنها كانت صامتة وقوية.
جلست
في الصالة الكبيرة تتأمل محتوياتها..كان بها تلفاز كبير جدا
تصدق أنني أضعت نصف يومي،وأنا أتابع بعض البرامج التي من شهر لم استطيع متابعتها،بسبب
أن تلفاز البيت محترق ولم استطيع تصليحه .
لم اشعر بصديقاتي..تلاشت من حولي
كل الاهتمامات،وأصبحت أتابع التلفاز بصمت واستمتاع،بلا ضجيج ولا صخب..غارقة في
هدوء الوحدة ودوامة التوتر الأبدي..خارت قوي وأصابتني بتعب تتوق النفس أحيانا
للخلوة و فعل ما تريد فعله،حتى الصراخ أنت حر في إطلاقه،هنا لا احد يسمعك،ولا تثر
العواطف تجاهك بلا شك أنت هنا جزء منفرد بحالك .
ملحوظة:
بعد
نهاية اليوم..وعندما أفرغنا خيالاتنا الزائفة،بالهروب وشعرنا بإحساس الوحدة ،قذفنا
تلك السعادة وتراجعنا نتجرع سم الواقع المرير،لم يكن الهروب هو أحلامنا،بل كانت
تلك هي خطوة البداية لرحلات قادمة بلا خوف ولا تردد .
د. صباح الجهني