سأراك لاحقًا، ليس الآن….
الهروب هو أن تتحول إلى ظلٍّ خفيف، لا يثقله انتظار ولا يجرحه حضور.
الهروب هو أن تدع العالم يركض، بينما أنت تجلس في مكانك، تراقب الغبار يتطاير، وتفكر: لماذا العجلة؟
الهروب هو أن تغلق عينيك لا من تعب، بل من رغبة في رؤية ما وراء الصور.
الهروب هو أن تحرر نفسك من سجن التوقعات، أن تكون بلا دور مكتوب سلفًا.
الهروب هو أن تقول للحياة: “سأراك لاحقًا، ليس الآن.”
الهروب هو أن تُدرك أن العزلة ليست وحشة، بل وطن مؤقت.
الهروب هو أن تسمح للغياب بأن يكون لغة جديدة تتكلمها الأشياء من حولك.
الهروب هو أن تكتشف أن النسيان أحيانًا هدية، وأن التذكر قد يكون عبئًا.
الهروب هو أن تصنع سلامًا مع نفسك بعيدًا عن ضوضاء الآخرين.
الهروب هو أن تمشي داخل روحك كما لو كانت غابة مجهولة، تصغي لحفيف الأفكار كأوراق تسقط على الأرض.
الهروب هو أن تُعيد ترتيب علاقتك بالزمن: أن تفكك الماضي، أن تُبطئ الحاضر، أن تجعل المستقبل بلا إلحاح.
الهروب هو أن تعلن هدنة مع قلبك المنهك.
الهروب هو أن تفهم أنّ الأشياء أثقل مما يجب، وأنك لم تُخلق لتحملها كلها.
الهروب هو أن تذوب في الصمت كما يذوب الملح في الماء، بلا أثر، بلا مقاومة.
الهروب هو أن تفتح نافذة على داخلك، وتكتشف أن الهواء هناك أصفى من أي مكان آخر.
الهروب هو أن تسمح للعدم أن يُربّت على كتفك، ويقول لك: “لستَ مُجبرًا أن تكون كل شيء.”
الهروب هو أن تُدرك أن الحقيقة ليست دائمًا في المواجهة، بل في المسافة التي تتيح لك الرؤية بوضوح.
الهروب هو أن تمنح لنفسك الحق في أن تتأخر، أن تختفي، أن تُعيد تكوينك بعيدًا عن العيون.
الهروب هو أن تكون مسافرًا بلا وجهة، مكتفيًا بأنك غادرت ما كان يخنقك.
الهروب هو أن تعيش كنجمة بعيدة: حاضرة في السماء، لكن الضوء الذي يصل منها لم يعد ينتمي للحظة.
الهروب هو أن تدرك أن الداخل أكبر من الخارج، وأن السكون أوسع من الحركة.
الهروب هو أن تضع كل ما يؤلمك خارج الباب، وتبقى أنت وحدك مع نفسك.
الهروب هو أن تُدرك أن العالم لن يتوقف من دونك، وأنك لستَ مجبرًا أن تكون دائمًا هناك.
الهروب هو أن تمشي في غيابك كما يمشي طفل في حقل واسع، مطمئنًا لأن لا أحد يطالبه بالعودة.
⸻
د.صباح الجهني



تعليقات
إرسال تعليق