ثنائية لا تهدأ





حين يطرق الفرح بابي

أتهيأ له كما تتزين العروس لعريسها،

أرتب خصلات روحي 

وأشعل قناديل الأمل في نوافذ قلبي أهيئ المائدة لضيفٍ طال انتظاره،وأجلس أراقب خطواته القادمة من بعيد.



لكن…



ما إن يمد الفرح يده ليعانقني،حتى يندس الحزن خلفه بخفة لصةٍ ماهرة

يدخل بلا استئذان

ويجلس في صدر الدار

كأنه صاحب المكان لا غريبٌ طارئ.


أراهما يتبادلان النظرات أمامي

كعاشقين لا يعرفان الفراق

يتشاجران، يتعانقان

ثم يتآمران على قلبي المسكين

فينــ هشانه معًا بلا رحمة

حتى أظل متعبة

لا أنا للفرح بكامل نصيبي

ولا أنا للحزن وحدي بكامل ألمي.


كأنني أرضٌ تتقاسمها رياح متعاكسة .

لا تتركان سنبلة تنمو بسلام

ولا زهرة تتفتح بطمأنينة.


أحيانًا أقاوم


أغلق الأبواب في وجه الحزن

وأشدّ على يد الفرح كي لا يهرب

لكن الحزن بارع في الاختباء


يسكن الحزن في تفاصيل صغيرة،لا يحتاج إلى أبوابٍ ولا نوافذ،

يتسلل من ثغرات دقيقة لا يراها سواي.


في ذكرى عابرة، ربما صورة قديمة التقطتها يد مرتجفة،أو رائحة عطرٍ هجرني صاحبه منذ زمن،أو مقعد فارغ على الطاولة يذكّرني

بأن أحدهم كان هنا… ولم يعد.


وفي كلمةٍ جارحة،عابرة كالسهم،

قيلت في لحظة غضب، لكنها بقيت مغروسة في صدري كخنجر،كلما حاولت أن أنساها

أعادها الصدى بوجهٍ أشد قسوة.


وفي غيابٍ لم أستطع مداواته، غيابٌ يطاردني كظلٍّ لا يفارقني،أفتش في الوجوه عن ملامحه، وفي الأصوات عن نبرته، أمد يدي في الفراغ لعلّي ألمسه،

لكنني لا أجد سوى خواءٍ باردٍ

يزيد اتساع فجوتي الداخلية.


الحزن لا يحتاج إلى أحداث عظيمة،

يكفيه تفصيلة صغيرة، لينهض من سباته ويذكّرني أنه سيّد مقيم، وأن الفرح عابرٌ مهما طال


ومع ذلك…


أظل أستقبل الفرح كلما جاء

مهما كان مجيئه قصيرًا

أفتح له نوافذي

أتركه يلمس وجهي

وأتمسك ببقاياه كما يتمسك الغريق بقشة نجاة.


ربما، في يومٍ ما

يتعلم الفرح كيف يغلب حزني

ويطرد ظله من صدري

ويجلس معي وحيدًا…

ليعلّمني أخيرًا

كيف يكون العيش بلا وجع .


د.صباح الجهني 

تعليقات

المشاركات الشائعة