الأربعاء، 28 مايو 2025

صراع مع الحياة


 

تقحمنا الحياة بهم رغم عنادنا، وكأنها تذكرنا بما قاله سارتر:

"الإنسان محكوم عليه بالحرية"

نجبر على الاختيار، وعلى تحمل تبعات وجودنا، حتى وإن لم نرَ طريقنا واضحًا أو لم نختَر من البداية من يشاركونا هذه الرحلة.

تنتهي الصراعات أحيانًا بكلمة واحدة، لكن السؤال الذي يليه هو ما يخلق الهاوية التي نسقط فيها أنفسنا لنكتشف أننا وحدنا.

أسئلة كثيرة لم أبحر في البحث عن أجوبتها، لأنني أدركت أن الجواب لا يكمن في كلمات الآخرين، بل في مواجهتي الصامتة مع نفسي، حيث الحرية والعبء يصنعان وجودي.

بدأ ضوء الشمس يتلاشى شيئًا فشيئًا..والليل يسدل ستاره الذي لا يرحم، ذاك الظلام الذي لم يكن موحدًا كما ظننته، بل يحمل أوجهًا متعددة مثلما هو الوجود نفسه، متعدد الأبعاد والمفارقات.

كانت تقود السيارة..عارفة وجهتنا..قالت:

"مقهى في نهاية الشارع، سيعجبك"

المقهى،ذاك المكان الذي حاولنا أن نجعل منه ملجأً مؤقتًا من قسوة العالم، كأننا نحاول أن نخلق معنى وسط اللا معنى.

جلسنا في الخارج، الجو لطيف.. طلبت قهوتها،ونظرت إلي: "وماذا عنك "؟

قلت: لا يوجد غيرك يا جميلة..ضحكت، وقالت: "نعم، قهوة".

خرجنا كثيرًا لنفرغ همومنا،لكنها هذه المرة كانت أكثر من مجرد تفريغ، كانت مواجهة صريحة مع عبء الوجود.

رأيت الحديث في عينيها،لكنني ترددت، كما لو أنني أخشى أن أكشف عن ضعفي في مواجهة الفراغ الذي يحيط بنا.

لم أكن ممن يحولون كل كلمة إلى قضية العصر،ولم أهتم بحقد أولئك الذين يعيشون في ظلال الكراهية،فهم (كما قال سارتر ):

"يهربون من حرية الاختيار بإلقاء اللوم على الآخرين، أما أنا فقد فهمت أن وجودي مسؤوليتي وحدي، وأنني أنا من يصنع معاييري، ويخلق معاني حياتي"

ومن هنا، في عتمة الليل المتشابك بين الضوء والظلام، ولدت معاييري الجديدة للوجود، معايير تعترف بحرية الاختيار، وتقبل العبء الوجودي، وتؤمن بأننا نخلق معنى حياتنا رغم اللامعنى الذي يحيط بنا.

كما قال سارتر:

"الإنسان محكوم عليه بأن يكون حراً، ففي كل لحظة، عليه أن يختار نفسه، وأن يتحمل نتائج اختياره. لا ملجأ من حرية الوجود، إلا أن نواجهها بكل مسؤولية"

د. صباح الجهني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفاتر الحنين

  دفاتر الحنين حين يصبح الحب ذكرى لم تولد بعد ذاك الحب لا يموت. يتحول إلى ظلّ، إلى نغمة عابرة في لحظة صمت، إلى طرف غيمة تمرّ في السماء، ف...