في تلك المرحلة الأخيرة،حين تتشابك
الأحلام والكوابيس في سلة مثقوبة، تسقطها الأقدار على قارعة الطريق،تبقى الكوابيس
معلقة،تشبثها بي كما لو كانت جزءًا مني.
لا أعلم أي حظٍ يرافقني،متى يأتيني،
ومتى يرحل.
كانت أفكاري كلها عن من أكون وكيف أكون،أدركت
أن الأيام لا تختلف،بل نحن من نصنع الاختلاف بأفكارنا،بمرور أيامنا،وحتى بسنوات
عمرنا.
هي مرحلة تفكك في زمنٍ لا نعلم متى
يعود فيه الوصل.
تتدفق الأحداث نحو نقطة صمتٍ لا نسمع
فيها إلا انتظار الانفجار. في صباح شتوي ماطر،كنت مشغولة بالدراسة،أحاول أن أرتب وقتي حتى أخرج
عند منتصف النهار،دون ثقل التوتر الناتج عن كثرة القراءة والعمل.
كانت خطتي واضحة:الدراسة ثم الخروج.لكن
ليست كل الخطط تصدق النهاية التي نريدها.
كان من ضمن خططي إعادة هيكلة الوقت بما
يتناسب مع وطني،الرياض ذلك الوطن الذي لا يعرفه أحد غيري.هو وحده من يسمع ضجيج
أفكاري وهواجس أحلامي.
حتى وإن اختلفت عطلتي الأسبوعية،لم
أنسَ ذلك التوقيت،ولا أفهم سبب استيقاظي مبكرًا لأنتظر رنين الهاتف.
وفي لحظة صمت،جاء صوته عبر الهاتف..كأنفاس
صباح دافئة تعانق روحي.
قلت له بهدوء:
هل تعرف كم أحب تلك اللحظة التي أنتظر
فيها رنين هاتفك؟ كأن العالم كله يصمت،ويبقى صوتك وحده يتسلل إلى روحي.
رد بابتسامة مسموعة:
وأنا؟ أعد الثواني حتى أسمع صوتك،حتى
أرى ضحكتك،حتى أشعر بأن كل ما حولي لا يهم إلا أنكِ هناك.
ابتسمت..وقلت:
أحيانًا أشعر أن حبنا هو ذاك الدفء
الذي لا يذوب،مهما عصفت الرياح، مهما هطلت الأمطار.
فأجابني:
حبنا هو الملجأ..الوطن الحقيقي الذي
نلجأ إليه،حتى لو تاهت بنا الطرق،سيبقى القلب متصلًا.
أغمضت عيني للحظة..وهمست:
لا أريد أكثر من أن نكون معًا..أن تبقى
الحياة معنا رغم كل شيء.
أمسك بسمعي قائلاً:
معك كل لحظة تصبح قصيدة،وكل انتظار
يصبح قصتنا الأجمل.
ذلك الرنين، ذلك الصوت، كان أكثر من مجرد مكالمة. كان وعدًا بالحب والدفء، كان اللحظة التي تجعل من كل انتظار معنى ومن كل شوق حياة.
أحببت تلك اللحظة،حين يتحول الزمن إلى
أنشودة حب خاصة بنا،لا تسمعها إلا قلوبنا.
أحببت ذلك الشعور من الوله،حين يتراقص
قلبي على نغمة اسمه،ويصبح كل نبضة وعدًا باللقاء.
أحببت ذلك الحب الذي جاءني من رجلٍ
تنام روحه في روحي،ويتنفس بقلبي، كما لو كنا نسير على خيطٍ رفيع،بين الحقيقة
والحلم،حيث تلتقي أرواحنا وتذوب المسافات.
أحببت صمت المساء حين ينقلب إلى همس،وأنا
أسمع صدى اسمه في كل زاوية من وجودي.
أحببت الوقت وإن اختلف،لأنه يحملنا
معًا في رحلة لا تنتهي.
أحببت الحياة بكل أشكالها..هنا معك.
د. صباح الجهني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق